--------------------------------------------------------------------------------
كم من الأيام كانت راغبة في الإنقضاء .... نعم فهذا حقٌ لها ولن تُمنع ...
يا وجودي .... كم كنت أحمل من الحياة الكثير وما يكفي ذلك اليافع بأن يصبح زهرة عليا كما هو الحال في أسلافه ...
يا أنا ... يا وجودي ... رمز الإنكسار داخلي أصبح في هيئة احتمال ذابل ... وشكواً دون جدوى ... بعد أنا كان جراحاً عميقة تاهت عن الدواء ...
في حقبة سالفة .... بات الوحيد الصغير بين شرفات ليل يسمى الدنيا .... ولم تكن تلك الليلة مقمرة حد الضوء ولكن الضوء المنعكس من دمعات على متن الطريق كان قد استوقفه للحظات ....
هل علمت يا أنا .... أنك أفنيت نفسك في طريق مر به الأغراب مثخنين بآلام الصبر و صدوع الإحتمال ...
الأحوال لا تتبدل إلا في نهاية العمر ... هذا ما أضائه بريق الدموع على طريقك الأرعن ... ولكن الوحيد المفتقر إلى حنان السنين حاول التمسك بأنه في الأعلى ويرقب بحذر ... فتصور يا أنا بأن كل ذلك يحصل وهو يطل من الشرفة .... إنها لسخافة البقاء على قيد الحياة بالفعل !!!
في أصوات تلك الحقبة .... كان صهيل القادم من الأفراح والأتراح لا يجد أذناً حالمة ولا عيناً باسمة تتخيله حاضراً لتل إليه بأبسط الطرق ... والوحيد أمير الضعف لم يحتمل صراخ القساة العابثين بالنهر وصفاء الجريان المتدفق من غدير الحب والمشاركة .... وليت أن الإنسان فقد نفسه فقط بل أحاط بفقده لنفسه فقد العيش والمضي قدماً تجاه المدار السعيد و أواسط الفرح الغير متعب ...
يا أنا .... أتذكر حيناً من الأحيان بأني كنت مليئاً بالخيال ... لأجابه المنام في أحلامه اتقاناً وبرهنة على أنه يفسّر وأني بخيالاتي لا أفسرها بل أحولها إلى واقع بين يدي .... وبعد انتظار دام يوماً واحداً من الوحدة أصبح الفراغ فارغاً من أبجديات الخيال ورجاحة الأهداف . . .
لمَ أذِن الفراغ للتيه بأن يغمره بألوان السواد وعواصف التغير المر .... آهٍ كم هي حالكة أطلال اليأس !
وعندما يحل الشتاء على الوحيد الضعيف ... يفرغ حمولة طفولته الخشبية ليشعل بها دفء النسيان لتكون مكمناً لدفء السنين القادمة وهي في الحقيقة متشبعة ببلل غادر عيناه ذات عمر ولا تشتعل تلك النيران ... فأي شتاءٍ يا أنا يهابك ...؟!
سيدتي سيدة الحزن النقي .... حسبي من قراصنة الدموع احتجازاً في متحجرات الأعين .... أما وللأمر بين الضياع والوقوف لجّه ؟
ليت أني لم أحاول الفرار من نهايتي الفكرية التي لا زمتني منذ ولادتي ولم أعلم عن ملازمتها لي إلا حين تلقيت صفعة الإنزواء رغماً عني محملاً بصدمات الطفولة الكاذبة ....
(لم أستطع وأنا بدون هويتي أن أحوي ألآم محيطة إلا بعد صقيع احتمال دام حد التجمد في الإشهار) ... لتشتعل وتتعالى رايات النصر على أملي بعد كرّة خاسرة صنعها حدسي اليائس ....
إعترف يا وحيد .... بأنك رغماً عما بداخلك من الإنكسارات تجمعت بقاياك حول شعلة دافئة لا محل لها إلا صدرك المهتريء .... إعترف ولا تهتف بأنك لم تغادر مكان هذه الشعلة الحانية حتى الآن ... فالطريق ذاته بدا عابثاً من جديد بألوانك التي بدأت بالوضوح عند هذه الشعلة ...
سيدة الحزن الشقيق ... الشتاء تخطى الأبواب منذ برهة من النظر ... لعل الحديث عن وحيدٍ باقٍ على قيد الحياة قد يثير الحوافز النرجسية الغائبة عن الحضور في أوردة ( أنا ) ... ولكن البشر لا يكفّون عن التشابه فيما بينهم .. فأينما سافرت لن أرى غير وجوه غابت ولم تغب في السماء وفي الأنهار وفي اعالي الجبال .... فكيف يكون الوحيد وحيداً وهو يرى بريق اللاوحدة يلوح من أبعد بعيد وعبر الأثير وبين الورق وفي سماء الحلم والخيال .. ولكونه لم يعد قادراً على إحراق طفولته الخادعة .... فالأماني ستظل أماني حتى نتيقن بأنها أماني ...
ولحلم وحيدٍ شابهته سيدة الحزن الحنون .... قد يكون بقائي في شرفة ذلك الليل عالق حتى الآن في جدار أحداقي وسماء يومي هذا ... وقد يكون البكاء سبيلاً وحيداً للنشيج .... ولربما رأيناه سوياً من قبل .... ذاك الغريب المر الذي ترك لنا دمعتين عاكستين لأضواء اليأس والحزن ..... فيا أنا ... فدمعة منك ودمعة من مني ... قد تحول دون لقائنا باللاحياة ....
بآركـو ..